طلبة الأقرع اتفيش *** عن امنثرة الحشيش
لو ينبت بالكف ريش *** ما جته هدبا اتقاد
فقال الوالي، بعد أن ترجم له ما قاله دبيس، ليذهب هو وهدبا، فلن نستطيع أخذها منه. (الأقرع يقصد به دبيس الوالي العثماني، ومعنى كلمة تفيش أي تخطئ. والبيت الثاني يعني استحالة حصول الوالي على الفرس كما أن الكف ليست من المواطن التي ينبت فيها الشعر).
واستمر النزاع بين السردية وبني صخر، وقد كان السردية مشهورين بثرائهم وقوتهم، حيث كانوا يجندون عدداً كبيراً من الفرسان بينما بنو صخر لم يكن لديهم إلا القليل من الخيل. ولهذا كان من العبث أن يقفوا أمام السردية وجهاً لوجه، فعقدوا النية على أن يخرجوا فريقاً مؤلفاً من ستين فارساً لنهب إبل السردية حتى إذا هب فرسان السردية لرد الغارة ولحقوا بهم، يقودونهم إلى مكان يكمن فيه هجانتهم فينقضون عليهم ويعملون فيهم السيف. نجحت تلك الخدعة، وهلك بها معظم فرسان السردية، وكانت تلك الواقعة أول ضربة نزلت بنفوذ السردية وسيادتهم.
ولما كان الكفاح بين بني صخر والسردية على أشده، ظهر في الأفق قبيلة أخرى ذات عددٍ وقوة، وهي قبيلة عنزة، حيث نزلت طلائع عنزة، وهم الفدعان، في أعالي الفرات. ثم تبعهم ضنا مسلم بقيادة زعيميهم الكبيرين الطيار وابن سمير. وأثناء هجرة عنزة من الحجاز إلى الشمال، مروا بالجوف، وحاصر الطيار السرحان في الجوف ودحروهم. ثم أغارت عنزة على بني صخر، وعطفت على السرحان وأخرجتهم من الجوف جميعاً. بعد هذا الإنكسار خرج بنو صخر والسرحان إلى البلقاء، وتبعتهم عنزة الذين اصطدموا والمحفوظ السردي في معركة حامية الوطيس شمال إربد بجوار المزيريب، وأسفرت النتيجة عن إندحار المحفوظ السردي وحلفائه إلى الشمال وتفرقهم. والتجأ قسم منهم وبنو صخر والسرحان إلى فلسطين، وبذلك انتقلت سيادة البلاد الممتدة من دمشق وحوران إلى الأردن ووادي السرحان والجوف إلى عنزة. ولكن حلف أهل الشمال المؤلف من السرحان والعيسى والفحيلي تألف مرة أخرى، وانضم إليه السردية، ثم انضم إليه بنو صخر حوالي عام 1215 هـ (1800م)، وأصبح الحلف تحت زعامة بني صخر. وتمكن أهل الشمال من الوقوف أمام عنزة وصدها. وفي غضون القرن التاسع عشر الميلادي، أخذ أهل الشمال يخرجون إلى الصحراء صوب وادي السرحان. وفي أواخر القرن التاسع عشر الميلادي غزا بنو صخر عنزة عدة مرات توفقوا فيها كلها تقريباً.
وقد وقعت صدامات أخرى بين السردية وبني صخر، ومنها المعركة التي وقعت بين السردية وبني صخر، عندما غزا السردية، بقيادة الشيخ متعب الكنج، الفايز من بني صخر، فقتل متعب الكنج، وانتصر بنو صخر على السردية، ومما قيل في ذلك:
طل الرقيب وقال متعب بمكمان***واخوات ذيبة معطبين الهوايا
صار الصياح ولابط الخيل فرسان***وقاموا على شعث النواصي شفايا
الكل منهم قلبه من الحزن مليان***ثار المزيبق من اكفوف الصبايا
متعب وقع ابملعب الخيل ميدان***ذباح للخطار حيلن عذايا
راعي النويقة راح والقلب دميان***من كف قرمن ما يهاب الخطايا
إليا وشع الخيل هايل وذوقان***مثقال شوق امجليات الثنايا
ياطير يا اللي بالسما إن كنت جيعان***اذعار يرمي لك جزيل الشوايا
ياهجر هجر الملابيس بالزان***يشداك نجمن وانحدر من سمايا...
فواز شيخن تتليه فرسان***بني صخر هيل البيوت التقايا
امعذبين بلادهم بمجرد الزان***حماية الخايف وساع الثنايا
واختم كلامي بالنبي ولد عدنان***يارب لاتكتب عليا خطايا
ثم ثأر السردية لمقتل الشيخ متعب الكنج في كون الأسيمر شرقي الموقر، حيث قتل في المعركة شبلي وعارف ابنا سطام الفايز، فقال الشاعر:
أبدي بذكر الوالين على المخلايق***الواحد اللي حكمه على الناس طامي
قم يا خطيب اكتب من الهرج ماذيق***اكتب احروفن عاسره بالقلامي
شيخن غدا ما شفته بالمواسيق***ولا ايدور بوشهم والجهامي
يبي شيوخن بالمحاكي مواثيق***لما ايوفي دينته بالتمامي
ع ام العمد حرن تصلصل على الريق***وده ايثاري بوالده والعمامي
صار الصياح بعاليات الدوانيق***وركبوا على قب الحوافر اهمامي
لحق الطلب نية الاسيمر وتشريق***ربعن على شوفة بعضهم مظامي
اخوات شوفه وردوه المشافيق***لما غدا سرد السلايل الزامي
الفايز والفواز ما هم تلافيق**عز الدخيل وللطنايب احشامي
تصادموا هيل الدروع المصانيق***صريك زمل وضارية للزحامي
ثار الفشق من مانعات الصناديق***شبلي وعارف قرطوهم اشمامي
سبحان يا مدعي المنايا توافيق***طاحت شيوخن والبنادق اصيامي
عجة ولجة والسبايا المماريج***وتشيب الرضعان قبل الفطامي
يانمر يا شوق البنات العماثيق***يفتل على رجليه والجرح دامي
ولولا حصانه ما جرا له تعاويق***من صغر سنه للمناصب ازمامي
يا صالح الهزاع يا ذيبن مويق***السيف شرع باللحم والعظامي
ونمر المقصود في هذه القصيدة هو الشيخ نمر الصقر الفايز، وقد مدحه الشاعر في قصيدته. وصالح الهزاع هو الشيخ صالح بن هزاع بن فندي الفايز، وكان شجاعاً مقداماً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق